القوس والفراشة
محمد الأشعري
رواية محمد الأشعري "القوس والفراشة" هي رحلة في حياة مثقف يساري مغربي تعرض لصدمة هزت قناعاته الأيديولوجية ,مثالياته ومنظوره لحياته الخاصة.
والصدمة جاءته على شكل رسالة مقتضبة تلقاها في يوم عادي من شخص مجهول، "تبشره" بأن ولده الشاب الذي نشأ في عائلة علمانية على مبادئ الانفتاح والفكر الحر، والذي أرسل إلى باريس لدراسة المعمار في أحد معاهدها الراقية "سقط شهيدا في أفغانستان".
هناك حاجة لصدمة بهذا الحجم حتى يبدأ مفكر يساري في إعادة النظر في قناعاته ومثله والدروب التي سار عليها في حياته الشخصية والتي أخذها مسلما بها على مدى عقود.
التفكير المجرد هو عملية ستاتيكية تتخذ منحا خطيا، وهي بذلك أعجز من أن تدفع الإنسان الى إعادة تقييم قناعاته الراسخة.
إذن، ها هي الماساة تقوم بالمهمة، وتهزه حتى النخاع، ولا ترحم أي مسلم من مساءلتها.
لم يكن الألم هو العنصر الوحيد في المعادلة، وفقدان إبن لم يكن وحده ما دفع بطلنا الى المضي في رحلة الشك، بل اكتشافه أن ابنه اراد بموته ان يوصل رسالة أراد لها أن تمسك بوالده من تلابيب مسلماته. وكأن "ياسين" اراد أن يضمن رسالته السؤال التالي: " أبي، هل أنت متأكد؟ "
وقد وصلت الرسالة، فلم يعد الأب يحس بأنه متأكد من أي شيء، وبدأ باستحضار ولده وكأنه يريد محاورته حول قناعاته ومجادلته فيها. يبدو الآن أن اتجاه عملية "التعليم" قد انعكس، وكأن الإبن يقوم "بتعليم" الاب الآن وليس العكس.
هذا رمز قوي لادراك يوسف انه لم يكن يستمع بما فيه الكفاية، بل كان يحاضر طوال الوقت، فقناعاته راسخة. موت ولده جعله راغبا في الاستماع، وها هو يفعل، وعن طيبة خاطر.
وبينما نتابع خطوات بطل الرواية على طريق إعادة تقييمه لحياته الماضية، يستعرض الكاتب محمد الأشعري قصة جيل من اليساريين العرب قطعوا نفس المشوار وساروا على نفس الطريق، تواجههم مآزق فردية وجمعية. قضوا سنوات من حياتهم خلف القضبان، وساعات طويلة في جدل حار، ينسجون حلما بحياة افضل، لينتهوا محبطين يائسين بائسين.
وجد يوسف، كغيره الكثير من اليساريين المخضرمين العرب، حلوله الوسط: تمكن من اختزال حلمه في إنقاذ العالم إلى تحقيق توازن هش في علاقته مع محيطه المباشر: العائلة والاصدقاء. حتى أنه استطاع التصالح، طائعا أو كارها، مع النظام السياسي، على السطح على الأقل.
ثم جاءت الفاجعة، لتخلط الأوراق. إحساسه بالفشل قلب توازنه الهش رأسا على عقب، وفقد أشياء كثيرة، بينها حاسة الشم، في تعبير مجازي عن اعتزاله العالم وعدم اكتراثه لما يجري حوله.
في الشهور التي تلت موت ياسين يحاول يوسف إعادة بناء حياته لبنة لبنة، والتصالح مع كل شيء تقريبا: الحب، العائلة، المجتمع، لا بل يستعيد حاسة الشم أيضا !
ترشيح
الفائز 2011